17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| يا حبيبتى يا مصر

إيقاع مختلف| يا حبيبتى يا مصر

الأغنية الوطنية ليست كلمات متراصة يتكرر فيها اسم مصر بطريقة دعائية أو خطابية أو مباشرة، الأغنية الوطنية فى جوهرها، نبضة قلب صادق، وهزة روح مخلصة، ورسالة عقل نبيل.

 أن تصدق الكلمة التى تكتبها أنت قبل أن يصدقها مستمعوك، وأن تعبر عن موقفك أنت من الوطن، قبل أن تعبر عما ينبغى أن يقال فى هذه اللحظة، ألاتقع أسيراً للنمط السائد المعتاد للكتابة، بحيث تفلت من أن يكون شعارك "هكذا يكتب الناس... فلأكتب مثلهم"،  أن تشعر بتلك الرعشة المذهلة التى تجتاح كيانك كلها، ذلك هو المفتاح السحرى الذى يضمن لك أن تكتب أغنية وطنية صادقة ناجحة خالدة.

أتذكر الآن روائع صلاح جاهين فى مواكبة ثورة يوليو وإنجازاتها، وأتذكر بكثير من التأمل والإعجاب صمته المتألم المؤلم بعد زلزال عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، كان هذا الصمت المؤلم المتألم يقول ببساطة إن صلاح جاهين كان يصدق كل كلمة قالها فى أغنياته الوطنية المدهشة، بل كان يؤمن إيماناً عميقاً بما يهتف به، لذلك كان ألمه عظيماً بقدر ما كان إيمانه عميقاً.

ولأن الأوقات الصعبة تكشف جوهر الشخصية، كما تكشف النار جوهر المعدن النفيس، فإننى أقف بالكثير من التأمل أيضا أمام رائعة عبد الرحمن الأبنودى "موال النهار"، كان أمام الأبنودى أن يسلك واحداً من الطرق المتناقضة: أن يستسلم للانكسار، وتتحول كلماته إلى بكائيات، أو أن يصمت كما صمت صلاح جاهين، أو أن يزيف وعى المستمع بكلمات خطابية جوفاء، لا تعنى أى شىء، لكنه اختار الاختيار الأصعب، اختار أن يعتصم بجوهر الشخصية المصرية النفيس، فيقر بالهزيمة ويعترف بها، دون أن يستسلم لها أو ينكسر أمامها، بل ينفذ إلى القيمة الراسخة فى شخصية مصر وفى رحلتها عبر الزمن، تلك هى قيمة الانحياز للنور والصمود والنهار، لذلك جاءت كلماته بالغة الصدق، بالغة القابلية للتصديق، تحترم مشاعر المواطن وتستنهض صمود الوطن.

أما فى أوقات الزهو والإنجاز والتقدم، فإن رسالة المبدع الحقيقى لا تقل خطورة، لأن عليه وقتها ألا يستخف بالناس وألا يتحول من ناطق باسمهم إلى متاجر بهم أو عليهم، بل عليه أن ينظر إلى الأصدق والأعمق والأبعد والأسمى دائما.

وفى كل الأوقات سيكون الشاعر محظوظاً إذا قدر لكلمته أن تلتقى بنغمة مبدعة صادقة كالتى قدمها بليغ حمدى فى رائعته المذهلة: "يا حبيبتى يا مصر".
------------
بقلم: السيد حسن
من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة